فصل: تفسير الآيات (192- 212):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (192- 212):

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)}
{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين} الضمير للقرآن {الروح الأمين} يعني جبريل عليه السلام {على قَلْبِكَ} إشارة إلى حفظه إياه لأن القلب هو الذي يحفظ {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} يعني كلام العرب هو متعلق بنزل أو المنذرين {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} المعنى أن القرآن مذكور في كتب المتقدّمين ففي ذلك دليل على صحته ثم أقام الحجة على قريش بقوله: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ} بأنه من عند الله آية لكم وبرهان، والمراد من أسلم من بني إسرائيل: كعبد الله بن سلام وقيل: الذين كانوا يبشرون بمبعثه عليه الصلاة والسلام {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ على بَعْضِ الأعجمين} الآية جمع أعجم، وهو الذي لا يتكلم سواء كان إنساناً أو بهيمة أو جماداً والأعجمي: المنسوب إلى العجم أي غير العرب وقيل: بمعنى الأعجم، ومعنى الآية: أن القرآن لو نزل على من لا يتكلم، ثم قرأه عليهم لا يؤمنوا لإفراط عنادهم، ففي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم على كفرهم به مع وضوح برهانه {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} معنى {سَلَكْنَاهُ}. أدخلناه، والضمير للتكذيب الذي دل عليه ما تقدم من الكلام، أو القرآن أي سلكناه في قلوبهم مكذباً به، وتقدير قوله: {كَذَلِكَ} مثل هذا السلك سلكناه، {المجرمين}: يحتمل أن يريد به قريشاً أو الكفار المتقدمين و{لاَ يُؤْمِنُونَ}: تفسير للسلك الذي سلكه في قلوبهم {فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} تمنوا أن يؤخروا حين لم ينفعهم التمني {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} توبيخ لقريش على استعجالهم بالعذاب في قولهم: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} [النمل: 10] {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء} [الأنفال: 32] وشبه ذلك {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} المعنى أن مدّة إمهالهم لا تغني مع نزول العذاب بعدها، وإن طالت مدة سنين، لأن كل ما هو آت قريب، قال بعضهم {سِنِينَ} يريد به عمر الدنيا {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} المعنى أن الله لم يهلك قوماً إلا بعد أن أقام الحجة عليهم بأن أرسل إليهم رسولاً فأنذرهم فكذبوه {ذكرى} منصوب على المصدر من معنى الإنذار، أو على الحال من الضمير من منذرون، أو على المفعول من أجله، أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} الضمير للقرآن، وهو ردّ على من قال أنه كهانة نزلت به الشياطين على محمد {وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} أي ما يمكنهم ذلك ولا يقدرون عليه، ولفظ: {مَا يَنبَغِي} تارة يستعمل بمعنى لا يمكن وتارة بمعنى لا يليق {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} تعليل لكون الشياطين لا يستطيعون الكهانة، لأنهم منعوا من استراق السمع منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان أمر الكهان كثيراً منتشراً قبل ذلك.

.تفسير الآيات (214- 223):

{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} عشيرة الرجل هم قرابته الأدنون، ولما نزلت هذه الآية «أنذر النبي صلى الله عليه وسلم قرابته فقال: يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، ثم نادى كذلك ابنته فاطمة وعمته صفية»، قال الزمخشري: في معناه قولان: أحدهما أنه أمر أن يبدأ بإنذار أقاربه قبل غيرهم من الناس، والآخر أنه أمر أن لا يأخذه ما يأخذ القريب من الرأفة بقريبه، ولا يخافهم بالإنذار {واخفض جَنَاحَكَ} عبارة عن لين الجانب والرفق، وعن التواضع {الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} أي حين تقوم في الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} معطوف على الضمير المفعول في قوله يراك، والمعنى أنه يراك حين تقوم وحين تسجد، وقيل: معناه يرى صلاتك مع المصلين، ففي ذلك إشارة إلى الصلاة مع الجماعة، وقيل: يرى تقلب بصرك في المصلين خلفك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يراهم من وراء ظهره {تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} هذا جواب السؤال المتقدم وهو قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} والأفاك الكذاب، والأثيم الفاعل للإثم يعني بذلك الكهان، وفي هذا ردّ على من قال أن الشياطين تنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالكهانة، لأنها لا تنزل إلا على أفاك أثيم، وكان صلى الله عليه وسلم على غاية الصدق والبرّ {يُلْقُونَ السمع} معناه يستمعون والضمير يحتمل أن يكون للشياطين بمعنى أنهم يستمعون إلى الملائكة، أو يكون للكهان بمعنى أنهم يستمعون إلى الشياطين، وقيل: {يُلْقُونَ} بمعنى يلقون المسموع، والضمير يحتمل أيضاً على هذا أن يكون للشياطين، لأنهم يلقون الكلام إلى الكهان أو يكون للكهان لأنهم يلقون الكلام إلى الناس {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يعني الشياطين أو الكهان لأنهم يكذبون فيما يخبرون به عن الشياطين.

.تفسير الآيات (224- 227):

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}
{والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} لما ذكر الكهان ذكر الشعراء ليبين أن القرآن ليس بكهانة ولا شعر لتابين أوصافه وما بين أوصاف الشعر والكهانة، وأراد الشعراء الذين يلقون من الشعر مالا ينبغي كالهجاء والمدح بالباطل وغير ذلك، وقيل: أراد شعراء الجاهلية، وقيل: شعراء كفار قريش الذين كانوا يؤذون المسلمين بأشعارهم، والغاوون قيل: هم رواه الشعر وقيل: هم سفهاء الناس الذي تعجبهم الأشعار لما فيها من اللغو والباطل، وقيل: هم الشياطين {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} استعارة وتمثيل أي يذهبون في كل وجه من الكلام الحق والباطل، ويفرطون في التجوز حتى يخرجوا إلى الكذب {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} الآية: استثناء من الشعراء يعني بهم شعراء المسلمين كحسان بن ثابت وغيره ممن اتصف بهذه الأوصاف، وقيل: إن هذه الآية مدنية {وَذَكَرُواْ الله} قيل: معناه ذكروا الله في أشعارهم، وقيل: يعني الذكر على الإطلاق {وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} إشارة إلى ما قاله حسان بن ثابت وغيره من الشعراء في هجو الكفار بعد أن هجا الكفار النبي صلى الله عليه وسلم {وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} وعيد للذين ظلموا والظلم هنا بمعنى الاعتداء على الناس لقوله: {مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} وعمل ينقلبون في أيّ لتأخره، وقيل: إن العامل في أيّ سيعلم.

.سورة النمل:

.تفسير الآية رقم (1):

{طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)}
{آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} عطف الكتاب على القرآن كعطف الصفات بعضها على بعض، وإن كان الموصوف واحداً.

.تفسير الآية رقم (2):

{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
{هُدًى وبشرى} في موضع نصب على المصدر، أو في موضع رفع على أنه خبر ابتداء مضمر.

.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)}
{وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} تحتمل هذه الجملة أن تكون معطوفة، فتكون بقية صلة الذين، أو تكون مستأنفة وتمت الصلة قبلها، ورجح الزمخشري هذا.

.تفسير الآيات (4- 6):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
{يَعْمَهُونَ} يتحيرون {سواء العذاب} يعني في الدنيا وهو القتل يوم بدر، ويحتمل أن يريد عذاب الآخرة، والأول أرجح لأنه ذكر الآية بعد ذلك {لَتُلَقَّى القرآن} أي تعطاه.

.تفسير الآيات (7- 8):

{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
{آنَسْتُ} ذكر في [طه: 11] وكذلك قبس: [طه: 12]، والشهاب: النجم شبَّه القبس به، وقرئ بإضافة شهاب إلى قبس وبالتنوين على البدل أو الصفة، فإن قيل: كيف قال هنا: {سَآتِيكُمْ} وفي الموضع الآخر: {لعلي آتِيكُمْ} [طه: 10، القصص: 29]؛ والفرق بين الترجي والتسويق أن التسويق متيقن الوقوع بخلاف الترجي؟ فالجواب أنه قد يقول الراجي: سيكون كذا؛ إذا قوي رجاؤه {تَصْطَلُونَ} معناه: تستدفئون بالنار من البرد، ووزنه تفعلون، وهو مشتق من صلى بالنار والطاء بدل من التاء {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} {أَن} مفسرة، و{بُورِكَ} من البركة، {مَن فِي النار}: يعني من في مكان النار {وَمَنْ حَوْلَهَا}: من حول مكانها: يريد الملائكة الحاضرين وموسى عليه السلام، قال الزمخشري: والظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض، وفي ذلك الوادي وما حوله من أرض الشام {وَسُبْحَانَ الله} يحتمل أن يكون مما قيل في النداء لموسى عليه السلام، أو يكون مستأنفاً وعلى كلا الوجهين قصد به تنزيه الله مما عسى أن يخطر ببال السامع من معنى النداء، أو في قوله: {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} لأن المعنى نودي أن بورك من في النار، إذ قال بعض الناس فيه ما يجب تنزيه الله عنه.

.تفسير الآيات (10- 14):

{وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
{وَأَلْقِ عَصَاكَ} هذه الجملة معطوفة على قوله: {بُورِكَ مَن فِي النار}، لأن المعنى يؤدي إلى أن: {بُورِكَ مَن فِي النار}، وأن {وَأَلْقِ عَصَاكَ} وكلاهما تفسير للنداء {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} الجان: الحية، وقيل: الحية الصغيرة، وعلى هذا يشكل قوله: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} [الأعراف: 107، الشعراء: 32]، والجواب أنها ثعبان في جِرْمها، جانٌ في سرعة حركتها {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع أو لم يلتفت {إِلاَّ مَن ظَلَمَ} استثناء منقطع تقديره: لكن من ظلم من سائر الناس، لا من المرسلين، وقيل: إنه متصل على القول بتجويز الذنوب عليهم، وهذا بعيد؛ لأن الصحيح عصمتهم من الذنوب، وأيضاً فإن تسميتهم ظالمين شنيع على القول بتجويز الذنوب عليهم {بَدَّلَ حُسْناً} أي عمل صالحاً {فِي جَيْبِكَ} ذكر في [طه: 22] {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} متصل بقوله: ألق وأدخل، تقديره: نسير لك في جملة تسع آيات، وقد ذكرت الآيات التسع في [الإسراء: 101] {إلى فِرْعَوْنَ} متعلق بفعل محذوف يقتضيه الكلام تقديره: اذهب بالآيات التسع إلى فرعون {مُبْصِرَةً} أي ظاهرة واضحة الدلالة، وأسند الإبصار لها مجازاً، وهو في الحقيقة لمتأملها {واستيقنتهآ} يعني أنهم جحدوا بها مع أنهم تيقنوا أنها الحق فكفرهم عناد، ولذلك قال فيه: {ظُلْماً}. والواو فيه واو الحال، وأضمرت بعدها قد عَلَوْا يعني تكبروا.

.تفسير الآيات (16- 17):

{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} أي ورث عنه النبوة والعلم والملك {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير} أي فهمنا من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ} عموم معناه الخصوص، والمراد بهذا اللفظ التكثير: كقولك: فلان يقصده كل أحد، وقوله: علمنا وأوتينا؛ يحتمل أن يريد نفسه وأباه أو نفسه خاصة على وجه التعظيم، لأنه كان ملكاً {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ} اختلف الناس في عدد جنود سليمان اختلافاً شديداً، تركنا ذكره لعدم صحته {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي: يكفُّون ويردّ أوَّلهم إلى آخرهم، ولابد لكل ملك أو حاكم في وَزَعَةٍ يدفعون الناس.

.تفسير الآيات (18- 19):

{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}
{حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل} ظاهر هذا أن سليمان وجنوده كانوا مشاة بالأرض، أو ركباناً حتى خافت منهم النمل، ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح، وأحست النملة بنزولهم في وادي النمل {قَالَتْ نَمْلَةٌ} النمل: حيوان بل حشرة فطن قويّ الحس يدخر قوته، ويقسم الحبة بقسمين لئلا تنبت، ويقسم حبة الكسبرة على أربع قطع لأنها تنبت إذا قمست قسمين، ولإفراط إدراكها قالت هذا القول، ورُوي أن سليمان سمع كلامها، وكان بينه وبينها ثلاثة أميال، وهذا لا يسمعه البشر إلى من خصة الله بذلك {ادخلوا} خاطبتهم مخطابة العقلاء، لأنها أمرتهم بما يؤمر به العقلاء {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} يحتمل أن يكون جواباً للأمر، أو نهياً بدلاً من الأمر لتقارب المعنى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} الضمير لسليمان وجنوده، والمعنى اعتذار عنهم لو حطموا النمل أي لو شعروا بهم لم يحطموهم {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} تبسم لأحد أمرين: أحدهما سروره بما أعطاه الله؛ والآخر ثناء النملة عليه وعلى جنوده، فإن قولها هم لا يشعرون: وصف لهم بالتقوى والتحفظ من مضرة الحيوان.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}
{وَتَفَقَّدَ الطير} اختلف الناس في معنى تفقده للطير، فقيل: ذلك لعنايته بأمور ملكه، وقيل: لأن الطير كانت تظله فغاب الهدهد فدخلت الشمس عليه من موضعه {أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين} أم منقطعة، فإنه نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره، {فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد} أي لا أراه ولعله حاضر وستره ساتر، ثم علم بأنه غائب فأخبر بذلك.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)}
{فَمَكَثَ} أي أقام ويجوز فتح الكاف وضمها، وبالفتح قرأ عاصم والباقون بالضم، والفعل يحتمل أن يكون مسنداً إلى سليمان عليه السلام أو إلى الهدهد، وهو أظهر {غَيْرَ بَعِيدٍ} يعني زمان قريب {أَحَطتُ} أي أحطت علماً بما لم تعلمه {مِن سَبَإٍ} يعني قبيلة من العرب، وجدّهم الذي يعرفون به: سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومن صرفه أراد الحيّ أو الأب، ومن لم يصرفه سبأ أراد القبيلة أو البلدة، وقرئ بالتسكين لتوالي الحركات، وعلى القراءة بالتنوين يكون في قوله: من سبإ بنإ ضرب من أدوات البيان، وهو التجنيس.